في الشهر الماضي، تلقت العلاقات الهندية الباكستانية التي تشكل تحدياً في أفضل الأوقات، والتي تعاني من ركود واضح منذ الهجمات الإرهابية التي شهدتها مومباي في شهر نوفمبر 2008 دَفعة غير متوقعة من مصدر لم يكن متوقعاً: ألا وهو لعبة الكريكيت. فعندما صعد البلدان إلى دور نصف النهائي في بطولة كأس العالم لهذه اللعبة والتي تقام كل أربعة أعوام، وجه رئيس الوزراء الهندي الدعوة إلى نظيرها الباكستاني رضا جيلاني لمشاهدة المباراة وتبادل الحديث معه على مائدة العشاء في موهالي. ورغم أن الانفراجة التي أسفرت عنها هذه المناسبة لم تنطو على قرارات سياسية كبرى، فقد عمد إلى تغيير السرد فيما يتصل بالعلاقات بين البلدين، وانتهز الفرصة لتحريك جمود العملية المتوقفة بين البلدين والسيطرة عليها.والواقع أن بعض المنتقدين الهنود أقل تحمساً. كانت الحكومة الهندية قد علقت المحادثات مع باكستان بعد الهجمات المروعة التي شهدتها مومباي. ويزعم المنتقدون أن الهند باستئناف المحادثات مرة أخرى على هذا المستوى الرفيع، على الرغم من عدم إحراز باكستان لأي تقدم يُذكَر فيما يتصل بتقديم الجناة إلى العدالة، تكون في واقع الأمر قد استسلمت لموقف باكستان. ويشير المنتقدون إلى أن المحادثات الشاملة واسعة النطاق التي تم الاتفاق عليها بين الجانبين هي ذات "الحوار المركب" القديم تحت تسمية جديدة. وكان هذا الحوار هو الذي أوقفته الهند على نحو مبرر بعد حادثة مومباي. ويظل الخوف قائماً في بعض الدوائر في الهند أن تكون الأفكار فيما يتصل بالتعامل مع باكستان قد نفدت في حكومة سينج - أو لم يعد لديها على أقل تقدير أي بدائل غير شن هجوم عسكري هدّام على مصادر الإرهاب أو التزام الصمت الراكد. ورغم ذلك فقد بات من الواضح أيضاً أن "عدم التحدث" مع باكستان لا يشكل سياسة عملية. وقد يكون بوسع باكستان أن تنكر تاريخها المشترك مع الهند، ولكن الهند لا تستطيع أن تغير جغرافيتها. لقد أسهم رفض الهند لإجراء محادثات مع باكستان، إلى جانب الجهود الغربية (خاصة الأميركية)، في تأمين بعض التعاون الأولي من جانب باكستان، بما في ذلك اعتقال الناشط في جماعة عسكر طيبة "زكي الرحمن لاخفي" وستة من المتآمرين من زملائه. ولكن معين هذا التعاون نضب في نهاية المطاف، ولم يعد من المعقول ولا المنطقي أن تستمر الهند على حذرها. فقد كف الرفض عن استئناف الحوار عن الإفضاء إلى أي نتائج جديدة، والواقع أن الحجة الوحيدة التي بررت الرفض - بوصفه مصدراً للقوة والسيطرة - أعطت البعض في الهند، وهم التحكم في الأحداث، وهو ما لا تمتلكه الحكومة في واقع الأمر. ومن عجيب المفارقات هنا أن الهند - ضحية الهجمات الإرهابية -هي التي ظهرت بمظهر المتعنت المتشدد. إن الحقيقة الأكيدة في الحياة على شبه القارة الهندية هي أن الهند كانت دوماً الراغبة في الحياة في سلام. فالهند في قرارة الأمر تُعَد بمثابة قوة الوضع الراهن الراغبة في أن تترك لحالها لكي تلتفت إلى التركيز على التنمية الاقتصادية. ولم يغير رفض المحادثات أياً من ذلك، ولكنه لم يعد بأي مكافأة للهند. بل وفرض على الهند في المقابل تكاليف إضافية: فمن خلال ظهورها بمظهر المشاكس العنيد سمحت الهند لباكستان بالظهور بمظهر الدولة المتعقلة الراغبة في المصالحة، الأمر الذي أدى إلى تشويه صورة الهند على الصعيد الدولي بوصفها قوة بناءة من أجل السلام. إن التحسن الطارئ على العلاقات بين البلدين، والذي تولد عن حكمة رئيسي الوزراء - الاجتماع بلا أحقاد أو ضغائن لمشاهدة حدث رياضي كبير، وهو اللقاء الذي خسرته باكستان بالكاد لكي تتعاظم فرصة الهند في الفوز ببطولة العالم - أثبت بوضوح أن المحادثات البسيطة قادرة على تحقيق نتائج بنَّاءة. والواقع أن الحوار قادر على تحديد وتضييق هوة الخلاف بين البلدين فيما يتصل بالقضايا الثنائية التي يمكن معالجتها. بطبيعة الحال، لا أحد يستطيع أن يزعم أن كافة القضايا المحدثة للفُرقة بين الهند وباكستان قابلة للحل على طاولة التفاوض، على الأقل في الوقت الحالي. ولكن بعض المشاكل المحددة، مثل التجارة، والمواجهة العسكرية حول نهر سياشين الجليدي، والحدود الإقليمية في سير كريك، وتدفق المياه عبر قناطر فولار، قابلة للحل من خلال الحوار بكل تأكيد. والواقع أن إحراز التقدم فيما يتصل بالقضايا الكبرى - مثل نزاع كشمير سوف يتطلب قدراً أعظم كثيراً من العمل والتحركات التدريجية البنَّاءة. ولكن كما أدرك سينج، فإن مجرد الحديث حول مثل هذه القضايا من شأنه أن يوضح أدنى حدود التفاهم مع الهند وأدنى معايير السلوك المتحضر الذي تنتظره الهند من جارتها. وإذا اقتضت الضرورة فمن الممكن أن يستفاد من الحوار أيضاً كوسيلة لإرسال بضع إشارات حازمة. إن "دبلوماسية الكريكيت" ليست جديدة في شبه القارة الهندية. فقد جربت مرتين من قبل، وفي كل مرة سافر حكام باكستان العسكريون إلى الهند في أعقابها. فكان هدف الزيارة التي قام بها الجنرال ضياء الحق إلى الهند لمشاهدة مباراة في جايبور في عام 1986 نزع فتيل التوترات الناجمة عن سياساته في تحريض ومساعدة النزعة الانفصالية بين السيخ المسلحين في الهند. وجاءت زيارة مشرف التي قام بها إلى ملعب الكريكيت في نيودلهي في عام 2005 في توقيت أفضل للعلاقات بين البلدين، ولكنها كانت نذيراً بانتكاسة حادة بعد ثلاثة أعوام. مشاهدة الكريكيت لا تؤدي بالضرورة إلى تحسين الحوار. ولكن عندما يكون البلدان على استعداد حقاً للانخراط في الحوار البنَّاء، فإن مثل ذلك الحدث الرياضي الكبير قد يعمل كأداة مفيدة للإشارة إلى التغيير. هذا هو ما جلبته "روح موهالي". والآن حان الوقت لكي نرى ما إذا كانت هذه الروح قد تُتَرجَم إلى تقدم حقيقي على أرض الواقع. شاشي ثارور وزير الدولة الهندي الأسبق للشؤون الخارجية، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة، وعضو البرلمان الهندي "ينشر بترتيب مع خدمة "بروجيكت سينديكيت"